الصنّاع العرب

التناظرية (Analog) والرقمية (Digital)

نظرة عامة

نحن نعيش في عالم تناظري. يوجد عدد لا نهائي من الألوان يمكنك أن تلون به أي شيء (حتى لو لم تستطيع التفريق بينها بعينك)، يوجد أيضاً عدد لا نهائي من النغمات يمكنك سماعها، وكذلك عدد لا نهائي من الروائح تستطيع شمها. العامل المشترك بين جميع هذه الإشارات التناظرية هي أن لها احتمالات لا نهائية.
الإشارات والأجهزة الرقمية تعمل في عالم من المحدودية والانفصال، مما يعني أن هناك مجموعة محدودة من القيم يمكن أن تتواجد عليها. هذا يعني أنه من الممكن أن يكون لها احتمالان، عشرة احتمالات، 294 احتمال، أو أي عدد آخر طالما أنه ليس ما لا نهاية (infinity (∞)).

الأشياء التي نستخدمها في حياتنا الواقعية يمكن أن تعرض البيانات أو تجمع المدخلات بأي من الشكلين: التناظري والرقمي. الساعات، المقاييس المتعددة (الملتيميترات) (Multimeters)، وقضبان التوجيه (joysticks) جميعها يمكن أن تتواجد على الشكل التناظري (في الأعلى) أو الرقمي (في الأسفل).

العمل مع الإلكترونيات يشتمل على العمل مع كلا من الإشارات الرقمية والتناظرية، سواء كانت على شكل مدخلات أو مخرجات. مشاريعنا الإلكترونية التي نقوم بإنشائها تحتاج للتفاعل مع العالم الحقيقي التناظري بطريقة ما، لكن معظم المتحكمات الدقيقة (microprocessors) والحواسيب والوحدات المنطقية هي عبارة عن مكونات رقمية خالصة. هذان النوعان من الإشارات يمكن تشبيههما بلغتين إلكترونيتين؛ بعض الإلكترونيات تتعامل بكلا اللغتين، بينما البعض الآخر يمكنه التعامل بلغة واحدة فقط منهما.
في هذا الدرس سنسلط الضوء على مبادئ الإشارات الرقمية والتناظرية، بما في ذلك أمثلة على كل منهما. سنتحدث أيضاً عن الدوائر والمكونات الرقمية والتناظرية.

مواضيع مقترحة للقراءة

المفاهيم المرتبطة بالإشارات الرقمية والتناظرية قائمة بذاتها، ولا تتطلب الكثير من المعرفة الإلكترونية المسبقة. مع ذلك إذا لم تكن قد قرأت هذه الدروس فمن الواجب أن تقوم بتصفحها على الأقل:

 الإشارات التناظرية
تعريف الإشارات (Signals)

قبل الذهاب بعيداً يجب أن نتحدث أولاً عن ماهية الإشارة (signal) في الواقع، الإشارات الإلكترونية تحديداً. الإشارات التي نتحدث عنها هي عبارة عن كميات تتغير بتغير الزمن (time-varying quantities) تحمل وتنقل أحد أنواع البيانات. في الهندسة الكهربية الكمية التي تتغير بتغير الزمن هي عادة الجهد (voltage) (إن لم تكن كذلك فغالباً التيار (current)). لذلك عندما نتحدث عن الإشارات فكر في الأمر كأنه جهد يتغير بتغير الزمن.
تنتقل الإشارات بين الأجهزة المختلفة من أجل إرسال واستقبال المعلومات، والتي ربما تكون فيديو، صوت أوي نوع من المعلومات المشفرة. عادة تنتقل الإشارات عبر الأسلاك، ولكن يمكن أيضاً أن تنتقل في الهواء عبر موجات الترددات الراديوية (radio frequency waves).
إشارات الصوت –على سبيل المثال- يمكن أن تنتقل بين بطاقة الصوت الخاص بحاسوبك وبين مكبر الصوت، بينما إشارات الإنترنت يمكن أن تنتقل عبر الهواء بين الكمبيوتر اللوحي والراوتر اللاسلكي.

الرسوم البيانية للإشارات التناظرية

لأن الإشارة تتغير بتغير الزمن، فمن المفيد أن نقوم بتمثيلها بيانياً حيث يتم تمثيل الزمن على المحور السيني (x-axis)، أما الجهد فيتم تمثيله على المحور الصادي (y-axis).
يعد النظر إلى الرسم البياني للإشارة غالباً أسهل الطرق لمعرفة نوعها تناظرية أم رقمية؛ الرسم البياني للجهد مقابل الزمن للإشارة التناظرية يجب أن يكون ناعماً ومستمراً.

بينما تقع هذه الإشارات في مدى محدود بين قيمتين قصوى ودنيا، إلا أنه ما يزال هناك عدد غير محدود من القيم المحتملة في هذا المدى. على سبيل المثال الجهد التناظري الآتي عبر مأخذ تيار الحائط يكون محصوراً بين قيمتين +120V و -120V، لكن إذا نظرنا بدقة أكبر سنجد أن هناك عدد غير محدود من القيم يمكن أن تحملها الإشارة (مثل 64.4V، 64.42V، 64.424V، وعدد لا محدود من القيم كلما نظرنا بدقة أكبر).

مثال على الإشارات التناظرية

الفيديو أو الصوت غالباً ما يتم إرساله أو تسجيله باستخدام الإشارات التناظرية. الفيديو المركب (composite video) الآتي من مقبس RCA القديم على سبيل المثال هو عبارة عن إشارة تناظرية تقع في مدى يتراوح غالباً بين 0V و 1.073V. أي تغير صغير للغاية في الإشارة يكون له تأثير ضخم على لون أو موقع الفيديو.

إشارات الصوت النقية أيضاً هي إشارات تناظرية. الإشارات الآتية من مكبر الصوت تكون مليئة بالترددات والتوافقيات (harmonics) التناظرية، التي تجتمع معاً لتنتج أصوات رائعة.

الإشارات الرقمية (Digital Signals)

الإشارات الرقمية لا بد أن يكون لها مجموعة محدودة من القيم المحتملة. عدد القيم المحتملة يمكن أن يكون أي قيمة بين اثنين أو أي عدد كبير آخر لا يساوي ما لا نهاية. معظم الإشارات الرقمية الشائعة لتكون أحد قيمتين اثنين- مثلاً إما 0V أو 5V. الرسوم البيانية للجهد مقابل الوقت الخاصة بالإشارات الرقمية تكون على شكل موجات مربعة (square waves).

أي إشارة رقمية يمكن اعتبارها تمثيل متقطع لموجة تناظرية. عند النظر إلى الموجة في الرسم التالي عن بعد نجد أنها تبدو مثل إشارة تناظرية ناعمة، لكن عند النظر عن قرب نجد أن هناك خطوات متقطعة في الشكل الموجي للإشارة الرقمية.

هذا هو أهم فرق بين الإشارات التناظرية والرقمية؛ الإشارات التناظرية ناعمة ومستمرة، بينما الإشارات الرقمية متقطعة ومتدرجة ومربعة.

مثال على الإشارات الرقمية

ليست جميع إشارات الفيديو والصوت إشارات تناظرية. بعض الإشارات القياسية مثل واجهة الوسائط عالية الوضوح (HDMI) لنقل الفيديو (والصوت أيضاً)، وكذلك واجهات MIDI، I2S، AC’97لنقل الصوت جميعها تعتمد على الإشارات الرقمية.
جميع عمليات التواصل بداخل الدوائر المتكاملة (integrated circuits) تكون عمليات رقمية. والواجهات مثل الواجهة التسلسلية (serial)، آي سكويرد سي (I2C)، والواجهة التسلسلية الطرفية (SPI) جميعها تنقل البيانات عن طريق تسلسل مشفر من الموجات المربعة.

الواجهة التسلسلية الطرفية (SPI) تستخدم العديد من الإشارات الرقمية لنقل البيانات بين الأجهزة.

الدوائر الرقمية والتناظرية
الإلكترونيات التناظرية (Analog Electronics)

معظم المكونات الإلكترونية الأساسية مثل المقاومات (resistors)، المكثفات (capacitors)، المستحثات (inductors)، الديودات (diodes)، الترانزستورات (transistors)، والمضخمات العملياتية (operational amplifiers) جميعها تناظرية بطبيعتها. والدوائر التي يتم تكوينها من هذه المكونات فقط غالباً تكون دوائر تناظرية.

الدوائر التناظرية غالباً ما تحتوي على تجميعات معقدة من المضخمات العملياتية، المقاومات، المكثفات وبعض المكونات الإلكترونية الأساسية الأخرى. هذا المثال لمضخم صوتي تناظري من الفئة B.

الدوائر التناظرية يمكن أن تكون معقدة للغاية مع الكثير من المكونات، ويمكن أيضاً أن تكون بسيطة للغاية مثل الجمع بين مقاومين في دائرة مجزئ الجهد (voltage divider).
بشكل عام الدوائر التناظرية تكون معقدة بشكل أكبر بكثير من الدوائر الرقمية التي يمكنها القيام بنفس المهمة. مثلاً لعمل مستقبل راديو تناظري أو شاحن بطارية تناظري نحتاج للكثير من العمل والجهد لتصميم دائرة تناظرية لهذا الغرض، بينما المكونات الرقمية متاحة لجعل هذه التصميمات أبسط وأسهل.
الدوائر التناظرية غالباً ما تكون أكثر عرضة للتشويش (noise) (اختلافات صغيرة غير مرغوب فيها في الجهد). الاختلافات البسيطة في مستوى الجهد الخاص بإشارة تناظرية يمكن أن ينتج عنها أخطاء أثناء عملية معالجتها.

الإلكترونيات الرقمية (Digital Electronics)

الدوائر الرقمية تعمل اعتماداً على إشارات رقمية متقطعة. هذه الدوائر عادة ما تُصنع باستخدام تجميعات من الترانزستورات (transistors) والبوابات المنطقية (logic gates)، وعلى المستوى الأعلى المتحكمات الدقيقة (microcontrollers) أو رقاقات الحوسبة الأخرى (computing chips). معظم المعالجات (processors) سواء كانت كبيرة مثل المستخدمة في الحواسيب، أو مجرد متحكمات دقيقة تعمل بشكل رقمي.

في الدائر الرقمية يتم استخدام مكونات مثل البوابات المنطقية أو دوائر متكاملة رقمية أخرى أكثر تعقيداً (عادة يتم تمثيلها بمستطيلات يبرز منها أطراف مميزة بأرقام أو حروف).

تعتمد الدوائر الرقمية على نظام ثنائي (binary) لإرسال واستقبال الإشارات الرقمية. هذا النظام يخصص قيمتي جهد مختلفتين كمستويين منطقيين (logic levels) مختلفين – جهد مرتفع (عادة 5V، 3V أو 1.8V) ليمثل إحدى القيم، وجهد منخفض (عادة يكون 0V) لتمثيل القيمة الأخرى.
بالرغم من أن الدوائر الرقمية أسهل في تصميمها إلا أنها أغلى إلى حد ما من الدوائر التناظرية التي تقوم بنفس المهمة.

الجمع بين التناظرية والرقمية

ليس من النادر أن نرى دائرة تجمع بين مكونات رقمية وتناظرية معاً. بالرغم من أن المتحكمات الدقيقة هي مكونات رقمية بشكل كامل إلا أنها عادة ما تحتوي على دوائر داخلية تمكنها من التفاعل مع الدوائر التناظرية (المحولات التناظرية الرقمية، تعديل عرض النبضة، والمحولات الرقمية التناظرية).
المحول التناظري الرقمي (analog-to-digital converter (ADC)) يسمح للمتحكم الدقيق بالاتصال بالمستشعرات التناظرية (مثل الخلايا الضوئية (photocells) أو مستشعرات الحرارة) عن طريق قراءة جهدها التناظري. المحول الرقمي التناظري (digital-to-analog converter) الأقل شيوعاً يسمح للمتحكم الدقيق بإنتاج جهد تناظري، وهذا يفيد عند الحاجة لإصدار صوت.

المصادر والمضي قدماً

الآن أصبحت تعرف الفرق بين الإشارات الرقمية والتناظرية، أقترح عليك الاطلاع على درس التحويل التناظري الرقمي (Analog to Digital Conversion). العمل مع المتحكمات الدقيقة أو أي إلكترونيات منطقية أخرى يعني العمل في المجال الرقمي معظم الوقت. إذا أردت استشعار الضوء، الحرارة أو أن تربط المتحكم الدقيق بأي نوع من أنواع المستشعرات التناظرية المتنوعة فسيكون عليك أن تعرف كيفية تحويل إشارة الجهد التناظرية إلى إشارة رقمية.
أيضاً تذكر قراءة درس تعديل عرض النبضة (Pulse Width Modulation (PWM) ). تعديل عرض النبضة هي حيلة تستخدمها المتحكمات الدقيقة لتجعل الإشارة الرقمية تبدو مثل التناظرية.
إليك بعض الأشياء الأخرى المرتبطة بشكل أساسي بالواجهات الرقمية (ملاحظة: معظم هذه الدروس غير موجودة الآن وسيتم نشرها تباعاً على الموقع بإذن الله):
• النظام الثنائي (Binary)
• المستويات المنطقية (Logic Levels)
• الاتصال التسلسلي (Serial Communication)
• الاتصال التسلسلي الطرفي (SPI Communication)
• اتصال آي سكويرد سي (I2C Communication)
• الاتصال بالأشعة تحت الحمراء (IR Communication)
أو إذا أردت الإبحار في العالم التناظري فعليك الاطلاع على هذه الدروس:
مجزئات الجهد (Voltage Dividers)
المقاومات (Resistors)
الديودات (Diodes)
المكثفات (Capacitors)
• الترانزستورات (Transistors)

تمّت ترجمة هذه المادّة من موقع sparkfun تحت تصريح كرييتف كومّونز 3 (Creative Commons 3.0)

عبدالله خيري

2 تعليقان

اترك رداً على petter إلغاء الرد

تابعنا