الصنّاع العرب

ما هي الكهرباء؟

مقدمة

الكهرباء في كل مكان، فهي التي تدير كل ما حولنا من أجهزة تقنية مثل الهواتف المحمولة، الحواسيب، الأنوار، الكاويات ومكيفات الهواء. ومن الصعب للغاية الاستغناء عنها في عالمنا الحديث. حتى لو تغاضينا عن الكهرباء المُنتجة بواسطة الإنسان، سنجدها حولنا في الطبيعة في كل مكان، مثل البرق في العواصف الرعدية والتشابكات العصبية بداخل أجسادنا.
لكن ما هي الكهرباء تحديداً؟ هذا السؤال معقد للغاية، وفي الواقع لا توجد إجابة حاسمة، فقط تصورات نظرية عن كيفية تفاعل الكهرباء مع الوسط المحيط بنا.

الكهرباء هي ظاهرة طبيعية تحدث في الطبيعة ولها صور متعددة كثيرة. في هذا الدرس سنركز على الكهرباء التيارية (current electricity): وهي المسئولة عن تشغيل أجهزتنا الكهربية. وهدفنا هو فهم كيفية سريان الكهرباء من مصدر طاقة خلال الأسلاك مسببةً إضاءة وصلة ثنائية باعثة للضوء، أو دوران محرك، أو تشغيل أجهزة الاتصال الخاصة بنا.
تُعرف الكهرباء بإيجاز بأنها: سريان الشحنات الكهربية (electric charges)، ولكن هناك الكثير خلف ذلك التعريف البسيط. فمن أين تأتي الشحنات؟ وكيف نقوم بتحريكها؟ إلى أين تتحرك الشحنات؟ كيف تسبب الشحنات الكهربية حركة ميكانيكية أو إضاءة لجهاز ما؟ والكثير من الأسئلة الأخرى.
للبدء في تفسير ماهية الكهرباء علينا أن نترك المادة والجزيء، ونمضي قدماً لدراسة الذرات (atoms) المُكونة لجميع الأشياء الموجودة في حياتنا.
هذا الدرس مبني على بعض المعرفة الأساسية بالفيزياء مثل القوة، الطاقة، الذرات، والمجالات (الحقول) على وجه الخصوص. لذلك سنتغاضى عن هذه الأساسيات لتلك المفاهيم الفيزيائية، ولكن ربما يفيدك مراجعة مصدر آخر لمعرفة تلك المفاهيم.

لنذهب إلى المستوى الذري

لفهم أساسيات الكهرباء علينا أولاً البدء بالتركيز على الذرات، أحد وحدات البناء الأساسية للمادة والحياة عموماً. توجد الذرات في أكثر من مائة شكل مختلف كعناصر كيميائية مثل الهيدروجين، الكربون، الأُكسِجين والنحاس. ويمكن للذرات المختلفة أن تتحد معاً مكونةً الجزيئات (molecules) التي تكوّن المواد المختلفة التي يمكننا رؤيتها ولمسها.
الذرات ضئيلة للغاية، فطولها يمتد لما لا يزيد عن 300 بيكومتر (ما يعادل 10-10*3 أو 0.0000000003 متر). فمثلاً تحتوي عملة نحاسية (بفرض أنها من النحاس الخالص) على ما يساوي 1022*3.2 ذرة (32,000,000,000,000,000,000,000 ذرة) من النحاس بداخلها.
بالرغم من ذلك فإن الذرة ليست صغيرة بما يكفي لتفسير كيفية عمل الكهرباء. فنحن بحاجة للنزول لمستوى أقل والاطلاع على وحدات بناء الذرة ذاتها: البروتونات (protons)، النيوترونات (neutrons) والإلكترونات (electrons).

وحدات بناء الذرة

تتكون الذرة من مجموعة من ثلاثة جسيمات مختلفة: الإلكترونات، البروتونات، والنيوترونات. فكل ذرة تقع في مركزها نواة (nucleus) تحتوي بداخلها على البروتونات والنيوترونات معاً، ويحيط بالنواة مجموعة من الإلكترونات تدور حولها في مدارات.

نموذج مبسط للغاية للذرة، ليس مرسوماً بمقياس ولكنه يساعد على فهم كيفية بناء الذرة، فالنواة المركزية تحوي البروتونات والنيوترونات وتدور حولها الإلكترونات.

لا بد أن تحتوي كل ذرة على بروتون واحد على الأقل، فعدد البروتونات في الذرة مهم لأنه يحدد نوع العنصر الكيميائي الذي تمثله الذرة. على سبيل المثال الذرة التي تحتوي على بروتون واحد فقط تكون ذرة هيدروجين، بينما الذرة التي تحوي 29 بروتون تكون ذرة نحاس، والمحتوية على 94 بروتون تكون ذرة بلوتونيوم، ويطلق على عدد البروتونات الذي تحتويه الذرة اسم العدد الذري (atomic number).
النيوترونات هي شريكة البروتونات في النواة ولها دور هام يتمثل في إبقاء البروتونات في النواة، وتحديد النظير(isotope) لذرة ما، ولكنها ليست هامة في فهمنا للكهرباء، لذلك لن نهتم بها في هذا الدرس.
للإلكترونات أهمية كبيرة جداً في طريقة عمل الكهرباء. ففي أكثر حالاتها اتزاناً واستقراراً تحتوي الذرة على عدد من الإلكترونات مساوي لعدد البروتونات. فبالنظر إلى نموذج ذرة بور (Bohr atom model)، نرى نواة تحتوي على 29 بروتون (مما يعني أنها ذرة نحاس) محاطة بعدد مساوي من الإلكترونات.

مع تطور فهمنا للذرات، تطورت كذلك اساليب تمثيل نماذج لها، ولكن نموذج ذرة بور يعتبر مفيد للغاية أثناء تعرفنا على الكهرباء.

لا تبقى الإلكترونات لذرة ما مرتبطة بها دائماً، فالإلكترونات الموجودة في المدار الخارجي (outer orbit) للذرة تسمى إلكترونات التكافؤ (valence electrons)، ومع وجود قوة خارجية كافية يمكن لإلكترونات التكافؤ الهروب من مدار الذرة لتصبح حرة. تسمح الإلكترونات الحرة (free electrons) بتحرك الشحنات، وهذا هو ما تدور حوله الكهرباء. إذن، لنتحدث عن الشحنات…

الشحنات المتدفقة (flowing charges)

كما ذكرنا في بداية هذا الدرس، تُعرف الكهرباء بأنها سريان الشحنات الكهربية. الشحنة هي خاصية مميزة للمادة، تماماً مثل الكتلة والحجم والكثافة، وهي قابلة للقياس كذلك. فكما يمكنك قياس كمية الكتلة التي يحتويها شيء ما، يمكنك كذلك قياس مدى الشحنة التي يمتلكها. المبدأ الأساسي المتعلق بالشحنة هو أنها يمكن أن تأتي في صورتين: إما موجبة(positive) (+)، أو سالبة (negative) (-).
لكي نُحرك الشحنات فنحن بحاجة إلى حاملات الشحنة (charge carriers)، وبهذا تصبح معرفتنا بالجسيمات الذرية (وخاصة الإلكترونات والبروتونات) ذات أهمية. فالإلكترونات تحمل دائماً شحنة سالبة، بينما تحمل البروتونات دائماً شحنة موجبة. النيوترونات هي عبارة عن جسيمات متعادلة، ولا يوجد لها شحنة. كل من الإلكترونات والبروتونات تحمل نفس كمية الشحنة، ولكنا فقط من نوع مختلف.

نموذج ذرة ليثيوم (3 بروتونات) مع تمييز الشحنات بالألوان

تمثل الشحنة التي يمتلكها الإلكترون أو البروتون أهمية كبيرة، لأنها تبين لنا كيفية التأثير على تلك الجسيمات بقوة معينة.

القوة الكهروستاتيكية (Electrostatic Force)

القوة الكهروستاتيكية (تعرف أيضاً بقانون كولوم (Colomb’s law)) هي القوة المؤثرة بين الشحنات. وهي تنص على أن الشحنات المتشابهة تتنافر(repel) مع بعضها البعض، بينما تتجاذب (attract) الشحنات المختلفة مع بعضها البعض. المتشابهة تتنافر، والمختلفة تتجاذب.

يعتمد مقدار القوة المؤثرة بين شحنتين على مدى بعدهما عن بعضهما البعض، فكلما اقتربت الشحنتان ازدادت القوة المؤثرة عليهما (سواءً كانت قوة تجاذب أو قوة تنافر).
بسبب القوة الكهروستاتيكية فإن الإلكترونات تتنافر مع الإلكترونات وتتجاذب مع البروتونات، هذه القوة هي عبارة عن (الصمغ) الذي يسبب تماسك الذرة كوحدة واحدة، وهي كذلك الأداة التي نحتاجها لكي نجعل الإلكترونات (والشحنات) تسري.

كيف تسري الشحنات؟

لدينا الآن جميع الأشياء التي نحتاجها لجعل الشحنات تسري، فالإلكترونات تعمل كحاملات شحنة لأن كل إلكترون يحمل شحنة سالبة. فإذا كان بإمكاننا أن نحرر إلكترون من ذرة ما وأن ندفعه للحركة، فعندها نكون قد أنشأنا تياراً كهربياً.
تأمل النموذج الذري لذرة نحاس (أحد أفضل العناصر الملائمة لسريان الشحنات). في حالته المستقرة يحتوي النحاس على 29 بروتون في نواته، وعدد مساوي من الإلكترونات في المدارات المحيطة بالنواة. تدور الإلكترونات في الذرة في مدارات على أبعاد مختلفة من النواة، فالإلكترونات الأقرب للنواة تتعرض لقوة جذب مركزية أكبر من تلك التي تقع في المدارات البعيدة، أما إلكترونات المدار الخارجي (الأبعد عن النواة) والتي تسمى إلكترونات التكافؤ تتعرض لقوة جذب ضعيفة ولذلك تتطلب أقل قدر من الطاقة لكي تتحرر من الذرة.

رسم تخطيطي لذرة نحاس: 29 بروتون في النواة، محاطة بمجموعات من الإلكترونات تدور حولها. يصعب إزالة الإلكترونات القريبة من النواة، بينما يتطلب إلكترون التكافؤ (إلكترون المدار الخارجي) طاقة قليلة نسبياً لكي تخرج من الذرة.

بتطبيق مقدار كافي من القوة الكهروستاتيكية على إلكترون التكافؤ (سواء كانت قوة تنافر باستخدام شحنة سالبة، أو قوة جذب باستخدام شحنة موجبة) يمكننا إخراج الإلكترون من مداره حول الذرة ليصبح إلكترون حر.
تخيل الآن سلك نحاسي يحتوي على عدد لا نهائي من ذرات النحاس. بينما يتواجد إلكتروننا الحر في الفراغ بين الذرات يتعرض للسحب والدفع بواسطة الشحنات المحيطة به في ذلك الفراغ. خلال تلك الفوضى يجد الإلكترون الحر في النهاية ذرة أخرى ليرتبط بها، وعند حدوث ذلك تقوم الشحنة السالبة للإلكترون بنزع إلكترون تكافؤ آخر من الذرة الجديدة. الآن نجد الإلكترون الحر الجديد يندفع خلال المساحة الفارغة باحثاً عن ذرة جديدة ليرتبط بها فاعلاً نفس ما فعله الإلكترون الأول. هذا التأثير المتسلسل يتواصل حدوثه باستمرار مما يسبب سريان الإلكترونات الذي يطلق عليه التيار الكهربي (electric current).

نموذج مبسط للغاية لسريان الشحنات خلال الذرات منشئةً التيار.

الموصلية الكهربية (conductivity)

تمتلك ذرات بعض العناصر إمكانية أكبر من غيرها لإطلاق إلكتروناتها، وللحصول على أفضل سريان ممكن للإلكترونات يجب أن نستخدم الذرات التي لا ترتبط بشدة بإلكترونات التكافؤ التي تحتويها. وتقيس الموصلية الكهربية لعنصر مدى قوة ارتباط الإلكترون بالذرة.
العناصر ذات الموصلية العالية (التي لها إلكترونات كثيرة قابلة للحركة) تسمى الموصلات (conductors). وهذه الأنواع من المواد هي التي نقوم باستخدامها لصناعة الأسلاك والمكونات الأخرى التي تساعد في سريان الإلكترونات. والمعادن مثل النحاس، الفضة، والذهب هي عادةً الاختيارات الأفضل للحصول على موصلات جيدة.
العناصر التي لها موصلية كهربية منخفضة تُعرف باسم العوازل (insulators). العوازل تخدم غرض مهم للغاية: فهي تمنع سريان الإلكترونات. تتضمن العوازل الشائعة الزجاج، المطاط، البلاستيك، والهواء.

الكهرباء الساكنة والكهرباء التيارية

قبل أن نتعمق أكثر، يجب أن نفرق بين صورتين يمكن أن توجد عليهما الكهرباء: الساكنة والتيّارية. عند العمل مع الأجهزة الإلكترونية تكون الكهرباء التيارية أكثر شيوعاً ولكن من المهم أيضاً فهم الكهرباء الساكنة.

الكهرباء الساكنة (static electricity)

تنشأ الكهرباء الساكنة عندما يحدث تراكم لشحنات مختلفة على أجسام يفصل بينها مادة عازلة. تبقى الكهرباء الساكنة موجودة حتى يمكن لمجموعتي الشحنات المختلفة أن تجد مساراً فيما بينها لتحقيق التوازن في النظام.

عندما تجد الشحنات وسيلة للتعادل يحدث ما يسمى (التفريغ الكهربي/التفريغ الساكن) (static discharge). حيث يصبح التجاذب بين الشحنات كبيراً جداً لدرجة تُمكنها من السريان خلال أفضل العوازل (الهواء، الزجاج، البلاستيك، المطاط …الخ). يمكن أن تكون التفريغات الساكنة ضارة اعتماداً على الوسط الذي تنتقل خلاله الشحنات والسطوح التي تنتقل إليها الشحنات. تعادل الشحنات التي يفصل بينها الهواء يمكن أن ينتج على شكل صدمة واضحة مضيئة، لأن الإلكترونات المنتقلة تتصادم مع إلكترونات الهواء مما يجعلها مستثارة (excited) وتطلق الطاقة على شكل ضوء.

يستخدم مُشعل شرارة الفجوة (spark gap igniter) لإنشاء تفريغ ساكن مُتحكم به. تتراكم الشحنات المختلفة على كلا الموصلين حتى يصبح التجاذب بينهما كبيراً جداً لدرجة تسمح بسريان الشحنات خلال الهواء.

أحد أكبر الأمثلة على حدوث التفريغ الساكن هو البرق (lightening)، فعندما تكتسب مجموعة من السحب كمية كبيرة من الشحنة بالنسبة لمجموعة أخرى من السحاب أو بالنسبة لسطح الأرض، تحاول الشحنات أن تتعادل. وعندما تفرغ إحدى السحب شحنتها تسري كمية هائلة من الشحنات الموجبة (وأحياناً سالبة) خلال الهواء من الأرض إلى السحابة مسببةً التأثير المرئي الذي نحن معتادون على رؤيته.
من المظاهر المعتادة كذلك للكهرباء الساكنة عندما يقوم شخص بحك بالون برأسه ليجعل شعره يقف لأعلى، أو عندما يمشي أحد ما على الأرض بنعليه مما يسبب احتكاك كثير وعندما يلمس قطة مثلاً بدون قصد يجد أنها قد صُعقت. في كلتا الحالتين يتسبب الاحتكاك الناتج عن فرك مادتين مختلفتين في انتقال الإلكترونات. الجسم الذي يفقد الإلكترونات يصبح موجب الشحنة بينما الجسم الذي يكتسب الإلكترونات يصبح سالب الشحنة. ثم يحدث تجاذب بين الجسمين حتى يحدث لهما تعادل.
عند العمل مع الأجهزة الإلكترونية لا نحتاج غالباً إلى التعامل مع الكهرباء الساكنة. وإن حدث ذلك يكون غالباً في نطاق محاولة حماية المكونات الإلكترونية الحساسة من التعرض للتفريغ الساكن. ويتم أخذ بعض الإجراءات الوقائية ضد الكهرباء الساكنة، مثل ارتداء أحزمة المعصم الخاصة بالتفريغ الكهروستاتيكي، أو إضافة بعض المكونات الخاصة للدوائر لحمايتها من الزيادات العالية المفاجئة في الشحنة.

الكهرباء التيارية

الكهرباء التيارية هي إحدى صور الكهرباء التي تجعل جميع الأجهزة الإلكترونية تعمل. هذا النوع من الكهرباء يوجد عندما يكون بإمكان الشحنات أن تسري بشكل ثابت، فعلى عكس الكهرباء الساكنة التي تتجمع فيها الشحنات وتبقى ساكنة، الكهرباء التيارية متحركة، حيث تتحرك الشحنات دائماً. سنقوم بالتركيز على هذا النوع من الكهرباء في بقية درسنا هذا.

الدوائر الكهربية (circuits)

تتطلب الكهرباء التيارية دائرة كهربية لكي تسري خلالها. يمكن أن تكون الدائرة بسيطة للغاية مثل توصيل نهايتي سلك معاً، ولكن الدوائر المفيدة تحتوي غالباً على مزيج من الأسلاك ومكونات أخرى تتحكم في سريان الكهرباء. القاعدة الوحيدة المتعلقة ببناء دوائر كهربية عاملة هي عدم وجود أي فجوة أو مادة عازلة في الدائرة.
إذا كان لديك سلك نحاسي وتريد أن تجعل الإلكترونات تتدفق خلاله، فإن الإلكترونات الحرة بحاجة إلى مكان تسري إليه في نفس الاتجاه. يعتبر النحاس موصل رائع ومثالي كذلك لسريان الشحنات. وإذا حدث قطع في أحد أجزاء الدائرة المُكونة من السلك النحاسي، فلن تستطيع الشحنات السريان خلال الهواء مما سيؤدي إلى منع الشحنات من الذهاب لأي مكان.
على الجانب الآخر، إذا تم توصيل نهايتي السلك ببعضهما البعض، ستجد الإلكترونات ذرات مجاورة للانتقال خلالها مما يسمح لها بالسريان في اتجاه واحد.


نحن الآن على علم بكيفية سريان الإلكترونات، ولكن كيف نحصل عليها سارية؟ وأيضاً، بعد سريان الإلكترونات كيف يمكنها إنتاج الطاقة اللازمة لإضاءة مصباح أو إدارة محرك؟

لذلك علينا أن نفهم جيداً المجالات الكهربية.

المجال الكهربي (الحقل الكهربي) (Electric Field)

أصبح لدينا الآن معرفة جيدة بكيفية سريان الإلكترونات خلال المادة منشأةً الكهرباء، هل هذا هو كل ما يتعلق بالكهرباء؟ تقريباً نعم. نحن الآن بحاجة لمصدر ليسبب سريان الإلكترونات، عادةً ما يكون هذا المصدر المُسبب لسريان الإلكترونات هو المجال الكهربي.

ما هو المجال (الحقل) (Field)؟

المجال هو الأداة التي نستخدمها لتمثيل التفاعلات الفيزيائية التي لا تتضمن أي اتصال يمكن ملاحظته. لا يمكن رؤية المجالات، كما أنها ليس لها وجود مادي، ولكن التأثير الذي تمتلكه يمثل حقيقة واضحة للجميع.
نحن –لا شعورياً- معتادون على مجال واحد على وجه الخصوص: مجال الجاذبية الأرضية (Earth’s gravitational field)، وهو التأثير الناتج عن وجود جسم كبير الكتلة يجذب الأجسام الأخرى. يمكن تمثيل مجال الجاذبية الأرضية بمجموعة من الأسهم الموجهة تشير جميعاً باتجاه مركز الكوكب؛ فبغض النظر عن مكان وجودك على سطح الأرض، تشعر بتلك القوة تجذبك نحو الأرض.

لا تكون شدة أو قوة المجال متماثلة عند جميع النقاط خلال المجال؛ فكلما ابتعدت عن مصدر المجال قل تأثيره. فمثلاً قيمة قوة مجال الجاذبية الأرضية تقل كلما ارتفعنا لأعلى بعيداً عن مركز الكوكب.
سنقوم الآن باستكشاف المجالات الكهربية، أثناء ذلك تذكر كيفية عمل مجال الجاذبية الأرضية، فكلا المجالين يتشاركان ببعض التشابهات. تبذل مجالات الجاذبية قوة على الأجسام ذات الكتلة، بينما تبذل المجالات الكهربية قوة على الأجسام ذات الشحنة.

المجالات الكهربية (Electric Fields)

تعتبر المجالات الكهربية وسيلة هامة في فهم كيفية نشوء الكهرباء وسريانها، فالمجالات الكهربية تصف قوى التجاذب أو التنافر الموجودة في الفراغ بين شحنتين. عند مقارنة المجالات الكهربية بمجال الجاذبية الأرضية نجد أن الفرق الأساسي هو أنه بينما مجال الجاذبية الأرضية يقوم فقط بجذب الأجسام ذات الكتلة (لأن جميع الأجسام الأخرى لا تقارن كتلتها بكتلة الأرض)، إلا أن المجالات الكهربية يمكن أن تجذب الشحنات ويمكن كذلك أن تدفعها بعيداً.
يُعرف اتجاه المجالات الكهربية دائماً بأنه الاتجاه الذي ستتحرك به شحنة اختبار موجبة (positive test charge) إذا تم وضعها في ذلك المجال. يجب أن تكون شحنة الاختبار صغيرة للغاية حتى لا تؤثر شحنتها على المجال الموجود أو يحدث تشويش له.
يمكننا البدء بإنشاء مجالات كهربية للشحنات المفردة سواء كانت موجبة أو سالبة. إذا قمت بوضع شحنة اختبار موجبة بالقرب من شحنة سالبة، ستنجذب شحنة الاختبار باتجاه الشحنة السالبة. لذلك يتم رسم أسهم المجال الكهربي الناتج عن شحنة موجبة بحيث تشير باتجاه الشحنة من جميع الجهات. وإذا تم وضع نفس شحنة الاختبار الموجبة بجوار شحنة موجبة أخرى فسيحدث تنافر بينهما، لذلك يتم رسم الأسهم التي تمثل المجال الكهربي لشحنة موجبة بحيث تشير للخارج في جميع الاتجاهات.

المجال الكهربي للشحنات المنفردة: تشير أسهم المجال الكهربي للشحنة السالبة باتجاهها لأنها تجذب الشحنات الموجبة، بينما تخرج أسهم المجال الكهربي من الشحنة الموجبة لأنها تتنافر مع الشحنات الموجبة.

يمكن أن نقوم بجمع مجموعة من الشحنات الكهربية للحصول على مجال كهربي أكثر اكتمالاً.

يشير المجال الكهربي في الأعلى باتجاه الشحنات السالبة خارجاً من الشحنات الموجبة. تخيل أننا وضعنا شحنة اختبار موجبة ضئيلة في ذلك المجال؛ فإنها ستتبع المسار الذي تشير باتجاهه الأسهم. وكما رأينا فإن الكهرباء تتضمن غالباً سريان الإلكترونات سالبة الشحنة في اتجاه معاكس للمجال الكهربي.
تمدنا المجالات الكهربية بالقوة الدافعة التي نحتاجها لإنتاج سريان التيار. يمكن تشبيه المجال الكهربي في الدائرة الكهربية كمضخة للإلكترونات: مصدر كبير للشحنات السالبة يقوم بدفع الإلكترونات التي تقوم بدورها بالسريان خلال الدائرة باتجاه الشحنات الموجبة.

طاقة الكُمون الكهربي (طاقة وضع) (Electric Potential Energy)

عندما نُسخّر الكهرباء لتشغيل الدوائر والأجهزة الكهربية فإننا في الواقع نقوم بتحويل الطاقة. فلا بد من أن تكون الدوائر الإلكترونية قادرة على تخزين الطاقة وتحويلها إلى صور أخرى كالحرارة أو الضوء أو الحركة. يُطلق على الطاقة المخزنة في دائرة ما اسم طاقة الكمون الكهربي.

طاقة؟ طاقة كُمون؟

لفهم طاقة الكمون الكهربي يجب علينا أولاً أن نفهم الطاقة عموماً. تُعرف الطاقة بأنها قدرة جسم ما على بذل شغل (work) على جسم آخر، مما يعني تحريك هذا الجسم لمسافة ما. تأتي الطاقة بصور عديدة، فبعضها يمكننا مشاهدته (كالطاقة الميكانيكية)، والبعض الآخر لا يمكننا مشاهدته (كالطاقة الكيميائية أو الكهربية). وبغض النظر عن الشكل الذي تأخذه الطاقة يمكنها أن توجد في إحدى حالتين: طاقة كامنة (طاقة وضع) أو طاقة حركية (kinetic).
يمتلك الجسم طاقة حركية عندما يكون متحرك، ويعتمد مقدار الطاقة الحركية التي يمتلكها الجسم على كل من سرعته وكتلته. على الجانب الآخر تُعرف طاقة الكمون (الوضع) بأنها الطاقة المُخزنة في الجسم عندما يكون ساكن، وهي تصف مقدار الشغل الذي يمكن لذلك الجسم أن يبذله عند الحركة، وهي الطاقة التي يمكننا التحكم بها بشكل أساسي. عندما يتحرك جسم ما فإن طاقته الكامنة (طاقة الوضع) تتحول إلى طاقة حركية.

لنعود إلى استخدام الجاذبية كمثال. عند إبقاء كرة ساكنة بدون حركة عند قمة برج خليفة فسيكون لديها الكثير من طاقة الوضع (طاقة كامنة). وعندما يتم إسقاطها يقوم مجال الجاذبية الأرضية بجذب الكرة مسبباً تسارعها نحو الأرض. أثناء تسارع الكرة تتحول طاقة الوضع إلى طاقة حركة. في النهاية تتحول كل طاقة الوضع التي كانت تمتلكها الكرة إلى طاقة حركة، ثم تنتقل منها إلى الأرض عند اصطدامها بها. وعندما تكون الكرة على الأرض يكون لها طاقة وضع (طاقة كمون) ضئيلة للغاية.

طاقة الكُمون الكهربي (Electric Potential Energy)

مثلما تمتلك الكتلة في مجال الجاذبية الأرضية طاقة وضع ناتجة عن الجاذبية، تمتلك الشحنات في المجال الكهربي طاقة كمون كهربي. تحدد طاقة الكمون الكهربي لشحنة ما مقدار الطاقة المخزنة التي تمتلكها والتي تتحول إلى طاقة حركية عندما يتم تحريك الشحنات بواسطة قوة كهروستاتيكية وبالتالي تستطيع أن تبذل شغل.
مثل الكرة الموضوعة عند قمة برج، فإن أي شحنة موجبة موضوعة بالقرب من شحنة موجبة أخرى يكون لها طاقة كمون كهربي كبيرة (مثل طاقة الوضع في حالة الكرة)؛ وبمجرد جعلها حرة الحركة تتنافر الشحنة مع الشحنة المماثلة وتتحرك بعيداً عنها. بينما عند وضع شحنة اختبار موجبة بالقرب من شحنة سالبة يكون لها طاقة كمون كهربي منخفضة (مثل طاقة الوضع المنخفضة التي تمتلكها الكرة عند وضعها على الأرض).

لزيادة الطاقة الكامنة (طاقة الوضع) لشيء ما يجب أن نقوم ببذل شغل عن طريق تحريكه لمسافة. في حالة الكرة السابقة، بُذل الشغل عن طريق حملها لـ 163 طابق في اتجاه معاكس لمجال الجاذبية الأرضية. بالمثل لا بد من بذل شغل لدفع شحنة موجبة في اتجاه معاكس لاتجاه المجال الكهربي (سواء باتجاه شحنة موجبة أخرى، أو في اتجاه معاكس لشحنة سالبة أخرى). كلما ازدادت المسافة التي يتم تحريك الشحنة خلالها، زاد مقدار الشغل الذي يجب أن يتم بذله. بالمثل إذا أردت سحب شحنة سالبة بعيداً عن شحنة مواجبة (عكس اتجاه المجال الكهربي) فسيكون عليك بذل شغل أيضاً.
تعتمد طاقة الكمون الكهربي لأي شحنة تقع في مجال كهربي ما على نوعها (موجبة أو سالبة)، وعلى كمية الشحنة، وكذلك على موقعها في المجال الكهربي. وتقاس طاقة الكمون الكهربي بوحدة الجول (joule).

الجهد الكهربي (Electric Potential)

مصطلح الجهد الكهربي مبني على طاقة الكمون الكهربي للمساعدة في تحديد كمية الطاقة المخزونة في المجالات الكهربية. فهو مفهوم جديد يساعد في تصور سلوك المجالات الكهربية. الجهد الكهربي شيء مختلف عن طاقة الكمون الكهربي وليس هو ذاته.
عند أي نقطة في مجال كهربي، يُعرف الجهد الكهربي بأنه مقدار طاقة الكمون الكهربي مقسوماً على كمية الشحنة الموجودة في تلك النقطة. فهو يستثني كمية الشحنة من المعادلة، ويعطي لنا فكرة عن مقدار طاقة الكمون الكهربي التي يمكن أن تمنحها مناطق معينة من المجال الكهربي. يُقاس الجهد الكهربي بعدد الجولات مقسوماً على عدد الكولومات (coulomb) (J/C)، وهو ما يمكن تعريفه بالفولت (volt) (V).
في أي مجال كهربي توجد نقطتان للجهد الكهربي تمثل أهمية لنا. نقطة الجهد العالي والتي عند وضع شحنة موجبة عندها يكون لها أكبر جهد كهربي ممكن، والنقطة الأخرى هي نقطة الجهد المنخفض والتي عند وضع شحنة موجبة عندها يكون لها أقل جهد كهربي ممكن.
أحد أهم المصطلحات التي نستخدمها لتقدير الكهرباء هي فرق الجهد (voltage)، ويعرف بأنه الفرق في الجهد الكهربي بين نقطتين في مجال كهربي ما. يمنحنا فرق الجهد فكرة حول مقدار قوة الدفع التي يمتلكها مجال كهربي ما.


بعد أن تعرفنا على الجهد الكهربي وطاقة الكمون الكهربي، أصبح لدينا جميع المقومات اللازمة لإنشاء كهرباء تيارية. لنجرب ذلك!

لنبدأ باستخدام الكهرباء!

بعد دراسة فيزياء الجسيمات، نظرية المجالات، وطاقة الكمون الكهربي أصبح لدينا المعرفة الكافية لكي نجعل الكهرباء تسري. لنقم بعمل دائرة كهربية!
سنراجع أولاً المقومات التي نحتاجها للحصول على الكهرباء:

  • تُعرف الكهرباء بأنها سريان الشحنات، في الغالب يتم حمل الشحنات عن طريق الإلكترونات الحرة
  • تتميز الإلكترونات  الشحنة في المواد الموصلة بضعف ارتباطها بالذرة. وباستخدام قوة دفع صغيرة يمكننا تحرير الإلكترونات من الذرات وجعلها تسري في اتجاه عام متماثل
  • تُمثل الدائرة المغلقة المصنوعة من مادة موصلة مساراً للإلكترونات لكي تسري خلاله باستمرار
  • يتم تحريك الشحنات بواسطة مجال كهربي، لذلك نحن بحاجة لمصدر للجهد الكهربي (فرق جهد)، ليقوم بدفع الإلكترونات من المناطق ذات الجهد الكهربي المنخفض إلى مناطق ذات جهد كهربي أعلى

دائرة القصر (Short circuit)

تعتبر البطاريات مصدر شائع للطاقة، حيث تقوم بتحويل الطاقة الكيميائية إلى طاقة كهربية. وتحتوي البطاريات على طرفين يتم توصيلهما بباقي الدائرة. تتراكم الشحنات السالبة على أحد الطرفين بينما تتجمع الشحنات الموجبة على الطرف الآخر. وهذا هو فرق الجهد الذي يمكنه العمل.

إذا قمنا بتوصيل سلك مصنوع من مادة النحاس ذات الموصلية الكهربية العالية بالبطارية، سيقوم المجال الكهربي للبطارية بالتأثير على الإلكترونات سالبة الشحنة الموجودة في ذرات النحاس. حيث يقوم الطرف السالب للبطارية بدفعها، بينما يقوم الطرف الموجب بجذبها بنفس الوقت، مما سيؤدي إلى حركة إلكترونات النحاس من ذرة إلى ذرة مسببةً سريان الشحنات الذي نطلق عليه الكهرباء.

بعد مرور ثواني على سريان التيار، تكون الإلكترونات قد تحركت فعلياً لأجزاء قليلة من السنتيمتر. ولكن الطاقة التي تم انتاجها بواسطة سريان التيار تكون كبيرة جداً، خاصةً بسبب عدم وجود أي شيء في الدائرة يقو بإبطاء سريان التيار أو يقوم باستهلاك الطاقة المنتجة. يعتبر توصيل طرفي سلك موصل بمصدر للطاقة بدون وجود مكونات أخرى في الدائرة أمراً سيئاً، فهذا يجعل الطاقة تنتقل بسرعة كبيرة جداً خلال الدائرة وتتحول إلى حرارة في الأسلاك، مما يؤدي إلى انصهار الأسلاك أو حدوث حريق.

إضاءة مصباح

بدلاً من إضاعة كل هذه الطاقة –بغض النظر عن تدمير السلك والبطارية-، لنقم بإنشاء دائرة كهربية تقوم بشيء مفيد. بشكل عام تقوم الدوائر الكهربية بتحويل الطاقة الكهربية إلى صورة أخرى كالضوء، أو الحرارة، أو الحركة…الخ. إذا قمنا بتوصيل مصباح كهربي بالبطارية عن طريق الأسلاك، يصبح لدينا دائرة كهربية بسيطة وفعالة.

رسم تخطيطي: بطارية (على اليسار) تتصل بمصباح (على اليمين). تصبح الدائرة مكتملة عندما يتم غلق المفتاح (في الأعلى). بعد غلق الدائرة تسري الإلكترونات مدفوعةً بواسطة الطرف السالب للبطارية إلى الطرف الموجب مارةً خلال المصباح.

بينما تتحرك الإلكترونات بوتيرة بطيئة يقوم المجال الكهربي بالتأثير فوراً على الدائرة بكاملها (نحن نتحدث عن سرعة تساوي سرعة الضوء). فالإلكترونات بالكامل -سواءً كانت في الطرف السالب أو الطرف الموجب، أو حتى بجوار المصباح في الجانب الأيمن-تتأثر بواسطة المجال الكهربي.
عندما يُغلق المفتاح وتتعرض الإلكترونات للمجال الكهربي، تبدأ جميع الإلكترونات في الدائرة بالسريان في نفس الوقت. وتقوم الشحنات الأقرب للمصباح بالبدء في تحويل الطاقة الكهربية إلى ضوء (أو حرارة).

المضي قدماً

في هذا الدرس قمنا بتوضيح فيض من غيض كما يقول المثال. لا تزال هناك بعض المفاهيم التي ما زالت غامضة. لذلك نوصيك بالمضي إلى درسنا التالي: الجهد، التيار، المقاومة وقانون أوم.
أنت الآن على علم تام بالمجالات الكهربية (فرق الجهد)، والإلكترونات المتدفقة (التيار). وأنت كذلك على الطريق الصحيح لفهم القوانين التي تحكمها.

ننصحك بالاستمرار وقراءة الدروس التالية:

أو قراءة دروس المهارات التالية:

  • كيف تستخدم المالتيميتر (قريباً)
  • العمل مع الأسلاك (قريباً)
  • الخياطة بالخيوط الموصلة للكهرباء (قريباً)

تمّت ترجمة هذه المادّة من موقع sparkfun تحت تصريح كرييتف كومّونز 3 (Creative Commons 3.0)

عبدالله خيري

أضف تعليق

اترك رد

تابعنا